إدخال الرسم في العلاج النفسي
د.�*سان المال�*







يعتبر الرسم أ�*د الأساليب التعبيرية التي يملكها الإنسان ، وهو يمثل قدرة ثقافية يترفع بها عن عالم ال�*يوان ، مثلها في ذلك استعمال اللغة ومختلف أنواع الفنون .
ومن خلال الرسم يمكن للإنسان أن يسيطر على الموضوعات والأشياء التي يرسمها والتي تشكل له قلقاً وتوتراً . والإنسان القديم مثلاً رسم ال�*يوانات المفترسة مما ساعده في السيطرة عليها ومكنه من تخفيف خطرها وبالتالي أعطاه ذلك إ�*ساساً خاصاً بالأمان والقوة .


....
ويعتبر التعبير والتنفيس الانفعالي من خلال التعبير عن النفس وانفعالاتها ورغباتها وتصوراتها وخيالاتها وكل مايدور في العقل والنفس .. أسلوباً مفيداً من النا�*ية النفسية ، وتشترك الفنون بأشكالها المتنوعة إضافة إلى التعبير اللغوي الكلامي في هذه الوظيفة التعبيرية التنفيسية .
....
وقد تم استخدام الأساليب الفنية المتنوعة في ميدان الطب النفسي منذ زمن طويل لما فيه من الوظائف التعبيرية والتروي�*ية والداعمة للمريض النفسي ، وقد ارتبط ذلك بما يسمى بالتأهيل النفسي أو " إعادة التأهيل " والعلاج بالعمل والنشاطات المختلفة . وفي الوقت ال�*الي لدينا مجموعة من الأساليب التي تطورت وأصب�*ت أكثر تخصصاً مثل العلاج بالفن والعلاج بالتمثيل والعلاج بالموسيقا وغيرها ..


....
و يتميز التعبير عن طريق الرسم بأنه يبدع أشكالاً وصوراً يمكن النظر إليها والا�*تفاظ بها ، وأيضاً تبادلها وعرضها على الآخرين . وهكذا يكون العمل الفني المنتهي تشجيعاً للذات وتقوية لها ودعماً .
والآثار المفيدة الناتجة عن الرسم وغيره من الفنون ليست آثاراً عابرة ومؤقتة وتنفيسية لاسيما إذا جرى استعمالها بشكل منظم وضمن علاقة علاجية م�*ددة .. وهذا مايعرف بالعلاج بالفن وهو يعتمد على استخدام الرسم وغيره بشكل منهجي ولعدة جلسات مما يساعد المريض على التعرف على ذاته وصراعاتها ومشكلاتها ويهيئ مادة علاجية لل�*وار والتبصر وتعديل الأساليب وتنمية المهارات التكيفية والص�*ية المتنوعة .
وهذا العلاج يمكن أن يفيد مجموعة كبيرة من المرضى في مختلف الاضطرابات النفسية البسيطة والشديدة .
....


وللتعمق في فهم الرسم يمكننا أن نطر�* النقاط التالية :
1- يمكننا أن نقول أن الرسم هو استعمال " منظم للخيال وال�*لم " وفيه " �*رية وتلقائية تعبيرية " عن مكونات النفس وعن آلامها ومعاناتها وخيالاتها من خلال الصور واللون والتشكيل والرموز .
2- وفيه يمكن " إعطاء شكل وصورة " لأشياء لايمكن ال�*ديث عنها في كلمات بسبب الانفعالات الشدية المرتبطة بها أو بسبب التناقضات العديدة والفوضى التي تتفاعل في داخلنا .
3- وفيه " �*وار مستمر " شعوري ولاشعوري بين اللو�*ة والفنان الذي يرسمها ، وهو يضيف لوناً أو يعدل شكلاً إلى أن يرضى عن عمله ويعتبره منتهياً . وهنا تتوض�* الجوانب الاجتماعية وقضية " التواصل مع الآخر " وتوجيه الرسائل إليه وال�*وار معه ومشاركته .
4- إن أي عمل فني هو " صياغة إبداعية وجديدة " تهدف إلى التعبير عن الذات بشكل توضي�*ي يمكن للآخر أن يستفيد منه وأن يفهمه ، وفي الوقت نفسه يمارس الفنان " تعديلاً وتجديداً " لما يتفاعل في داخله من رؤى وصور وأفكار وذكريات ومشاعر مما يمكن له أن يساهم في " إيجاد �*لول فنية وعملية " لمشكلاته الخاصة والعامة .
5- الرسم هم " نوع من اللعب " بالمعنى النفسي العميق ، وفيه التروي�* والتسلية واستعمال الأدوات بمهارة وفي الوقت نفسه يمكن لهذا اللعب أن يكشف معلومات هامة عن الشخصية.


....
6- بعضهم يرسم وهو في �*الة انشرا�* وصفاء ويزيد الرسم من انشرا�*ه وبهجته ، وبعضهم يرسم في �*الة إكتئابية كي يسيطر على �*زنه ويأسه ، وبعضهم يرسم في �*الات القلق والخطر والتوتر مما يساعده على التخفيف من توتره ويعطيه استرخاءً وانتصاراً وإ�*ساساً بالروعة والإنجاز .
وبعضهم يرسم كي يؤكد ذاته ويثبتها وهو في �*الة مشاكسة وغضب وإ�*باط .. وبعضهم غير ذلك .
7- إن �*الات التوتر الإبداعي المرتبطة بأي عمل فني أو تعبيري لاتزال غير مفهومة تماماً .. وال�*ساسية العصبية الفنية الخاصة مكون أساسي ولها جوانبها الوراثية والتكوينية ويمكن تدريبها وصقلها وتنميتها .. والإ�*باطات الكثيرة التي يتعرض لها الإنسان في طفولته الطويلة " تؤكد على ال�*اجة إلى الإشباع عن الطريق التخيلي والفني " إضافة إلى الإ�*باطات ال�*الية التي يتعرض لها الإنسان في مختلف مرا�*ل �*ياته والتي تغذي ضرورة التعبير عنها بمختلف الأشكال العادية والفنية .


....
8- الفن " عمل ذو هدف " وهناك درجات من السيطرة عليه وهو بذلك يختلف عن ال�*لم أو الخيال ولاسيما في �*ال الفنانين الم�*ترفين .ويتميز الفنان بقدرته على الدخول إلى مناطق داخلية ولاشعورية تمتلئ بالمكبوتات والرغبات والمخاوف ، وبدرجة من اليسر والمرونة لم يتعود عليها الإنسان العادي . وهو يستطيع أن ي�*ول أشياء ثقيلة ومتناقضة وغامضة وصعبة الت�*مل إلى أشكال وصور يمكن فهمها وا�*تمالها . كما أنه يستطيع أن يتراجع إلى مرا�*ل الطفولة وذكرياتها المتنوعة وأن يعبر عنها بدرجة من الضبط والسيطرة تخدم ذاته وشخصيته وي�*افظ من خل ذلك على توازنه وص�*ته النفسية بشكل أفضل من الإنسان العادي الذي تعود ان يكون واقعياً عملياً يطرد من وعيه وشعوره كل مايمكن أن يعكر صفوه ويسيئ إلى مظاهر شخصيته الاجتماعية العادية .
9- الفنان يعيد إنتاج واقعه الذاتي وواقع ما�*وله برؤية جمالية وفنية جديدة . ويمكن له أن ي�*اكي الطبيعة ومافيها ، ويمكن له أن يخلق أعمالاً وإبداعات تجعله يقارب الس�*رة والمشعوذين في الخيال العام.وهو ي�*قق " أمنيات نرجسية " في خلق الأشياء والصور مما يجعله يتبوأ منزلة خاصة تتضارب �*ولها الآراء بين مشجع ومؤيد وبين ناقد ومسفه .


....


10- والفن له جوانب اجتماعية وفكرية ودينية وهناك ضوابط عامة تتعلق بالمجتمع والثقافة وهي تتغير وفقاً للظروف والمرا�*ل .. ويبقى الجمال والب�*ث عنه قيمة إنسانية هامة مثلها مثل الخير وال�*ق والعدل ت�*لق فوق الظروف بعد أن ترتبط بها .
11- والرغبات الفنية يمكن اعتبارها جزءاً من الدوافع الفطرية والغريزية لدى الإنسان ويمكن تدريبها وتطويرها ، وهي ترتبط بقدرات ومهارات غريزية و�*ساسية عصبية عضلية خاصة تشارك فيها ال�*واس البصرية واللمسية والسمعية وغيرها إضافة للموكونات العقلية مثل الانتباه والذاكرة والتخيل . وت�*تاج العملية الإبداعية إلى " انتباه عائم ومشتت " يناقض التفكير المنطقي المعتاد ، وإلى " أن ترى مالا يرى " .
12- وبعض الأشخاص يبدون ميولاً فنية خاصة ، وبعضهم الآخر يتذوق الفن ولايمارسه . وفي العلاج بالفن لايشترط وجود مهارات خاصة أبداً ، لأن المقصود ليس ا�*تراف الفن بل التعبير عن الذات والشخصية . ويمكن لعدد من الأشخاص في مختلف الاضطرابات النفسية الاستفادة من الرسم والفن . وفي �*الات الأطفال المتنوعة يشكل الرسم أداة مثيرة ومفيدة بسبب نقص قدرات الأطفال على التعبير اللغوي اللفظي . وفي �*الات الكبار التي يتعذر فيها التعبير اللفظي والاجتماعي لأي سبب كان ، يبرز التعبير من خلال الرسم كوسيلة علاجية ناج�*ة تعزز الثقة بالنفس وتفت�* باب ال�*وار مع الآخرين ، كما تساهم في فهم الإنسان لمكوناته وأ�*اسيسه وصراعاته وتمهد الطريق لاكتشاف �*ياته في جوانبها المتعددة ، مما يعطيه القدرة والقوة في النظر إليها والتكيف معها وتعديلها وإصلا�* مايمكن إصلا�*ه فيها .


....


المصدر : مجلة البلاغ

قراءه ممتعهـ..
لوليتا,,