في جيدها عقد من لؤلؤ

إنها جدتي .. ولقد ماتت .
حليمة التي لولا أنها وجدت نفسها على سبيل القدر امرأة قروية ترعى الغنم تطرح البرسيم لبقرتها وتذهب كل صباح للبير ولولا أنها أيضآ كانت تحصد الخضير وتصدح بأهازيج المزارعين
لكانت شيئآ أخر لا تختلف كثيرآ عنها مثلآ سيدة إنجليزية نبيلة تجمع أسطوانات موسيقية لباخ وتحب لوحات بيكاسووموديلياني النادرة تكتب مذكراتها اليومية وتجاربها القديمة بكل جرأة أو لكانت في بيئة مقاربة لبيئتها مثلآ كعجوز أسكلندية تجلس على كرسي هزاز تستظل بمدخل منزل
ريفي تغزل شالات صوفية وهي تنتظر عودة جدي من المزرعة الذي بالتأكيد لن يكون مختلفآ عن سراج النائم في غيبوبة تامة منذ وفاتها مثلآ سيكون عبد الوهاب المحارب القديم الذي يروي دائمآ
حكاية قتله لخمسة ثعالب في المزرعة وهيا تهاجم الفراخ بثلاث رصاصات فقط
لكنها ببساطة ودون الحاجة إلى تبرير جدتي حليمة التي ماتت .
أعني أنها هي كما عاشت حقيقة لذا كانت تضحك راضية وعندما تفعل ذلك تظهر أسنانها مكتملة
بيضاء كعقد لؤلؤ الذي كان في عنقها أكدت لي يومآ أنها ليست نادمة على شيء أو بالضبط خلال
ثمانين سنة لم ترغب بعيشة أخرى وكما قلت تضحك رغم أنها تحزن عندما تحكي قصة الأغراب أولئاك الذين دخلو المزرعة قالت عنهم كلامهم يابس أتو من الصحراء لا فيها مطر يرطب أصواتهم ولاهم يحصدون .
متأكد من أنها كانت تستمتع باسرجاع الماضي عدا تلك الفترة الناتئة على سطح ذكرتها الصلبة
الفترة التي جاء فيها غزاة عبدالوهاب ورجاله تتذكر اسمه جيدآ كما يفعل أهل القرى المحيطة جميعهم وعلى كل فإن نسيانها لهذا الأسم بعد أمر غير وارد على إنه الشخص الذي أطلق عليها في المزرعة لقبآ رافقتهاحتى ماتت.
أذكر أنني كنت جالسآ جوار قدميها حينما تنهدت قديمآ ياحسن كنا ورجال القرية نرعى اغنامنا سويآ نزرع ونسقي سعداء كما فطرنا عشنا لكنهم جاءوا ومنعونا قالوا بأن مانفعله من عمل الشيطان بعض النساء امتثلين لأمرهم فذهبت إلى كبير القرية رجوته بألا يمنعنا ماتعودنا عليه
من الحق لكنه تجاهلني وأستمريردد الكلام الجديد والوعيد واذات يوم لحق بي رجال رجموه حته
تفطرة وجنتاه قدامي .
ولأن جدتي أمية فمن المنطقي أنها لم تقرأ ما يكتبه الكوتي من منطقة الكوت في الهفوف وتنفي من بكلامها من حيث لا تدري فلسفه ولكيلاتتهم بتبني مبادىء متطرفة يجب أن أقول إذا أنتينا للحق إن جدتي ماتت وهي لم تسمع مسبقآ بالصحراء الكبري ولا الطوارق تركا امرأة وأن اليهود من الجن .
في احدى المرات وكمحاولة لممازحتها ومشاكستها كنت أتحدث بما لا تفهمه عن العولمة إنفلونزة الطيور والأنترنت فقاطعتني وكأنها تكمل حديثآ سابقآ لم أترك الزراعة أبدآ ولم يجيرني جدك على بترجذوري الضاربة عمقآ في الأرض بل لم يكترث مثلي بما لقبوني به وكان يمازحني باللقب أحيانآ حتى أنني أحببته عندما يقوله هو وذلك عندما أنغره في خاصرته الأمر الذي يجعله يقفز بشكل مضحك ويحاول أن يستفزني إن جدك يا حسن إنسان رائع لم يتخل عني أبدآ ولم يتخل عن المزرعة إلا بعد أن قطعها الأسفلت كنا نعمل بها غير مبالين بكلام الأغراب ولا الذين تبعوهم من أهل القرية أجزم بأنهم يقتلنعوا لكن الحديث الذي انتشر حينئن أرهبتهم سوسة النخيل .
كنت أستغل شرودها وتأملها أتأكد من أنها ليست منشغلة بتلاوة ما تحفظ من سور أخزنتهاعلى
ذاكرتها أحرضها على الحديث ليس لرغبتي وحرصي على حكم ووصايا الجدات بل لأنها تملك
مشاعردافئة وحسآ كوميديآ بريئآ يشرح صدري ويركن كل تعب خلفه الترحال الأن لم تعد القرية صفية الأزهورها ماتت كشجرة نخيل أجتاوها السوس اجتثت من مكانها ماتت وهي تصلي تمامآ كما قررت وجهرت في أدعية مضت ثمة الكثير مما قوله كتأبين متأخر لروحها بطريقتي ولكن لا أريد أن أبدو كمن يحاول أن يجعل من جدته رمزآ للمرأة ما كل ما في الأمر أن ثمة عجوز أسنانها مكتملة بيضاء كعقد لؤلؤ عجوز اسمها حليمة .. ماتت
في زيارتي الأخيرة أذكر أنها لتتوضأ اتجهت إلى جدي الذي بالكاد يسمع جدي الذي طرحته الأمراض وغاب وعيه بغد وفاتها عندما مرت جواره أقزعته وهي تنغزخاصرته وتقول جالسآ ابتسم ثم قال بصوت مبحوح وساخر من ؟ حمالة الحطب ضحكت جدتي فبانت أسنانها مكتمة بيضاء كعقد لؤلؤ ..