حرف الواو ..

حرف الواو ..

ما رأيكم بهذا الحرف الواو .. ألا يضايقكم مثلي ..؟؟
لا أدري .. لكني من بين حروف الأبجدية كلها لا أجد مثله عدائية و قسوة .. ربما هو نوع من التحدّي الذي يخلقه انطباع الشفتين حين تنضمان معا" و تتجمّع تجاعيدهما في منتصف الوجه كأنهما منقار نسر عجوز ..
المهم .. هذا الحرف يضايقني جدا" .

أعود إلى ذاكرتي فأكتشف أن بداياتي المبكرة مع هذا الحرف كانت مليئة بتجارب غير سارة على الإطلاق , فقد اختاره أهلي من بين كل الألفاظ و الأصوات التي تزخر بها لغتنا العربية ليعلّموني أنني عندما أتألم أو يضربني أخي الكبير أو أتسوّل بضع قبلات حانية عليّ أن أقول ( واوا ), و هكذا فقد ارتبط هذا الحرف فورا" بالألم و وجع البطن في ليالي الشتاء الباردة .

ثم كانت التجربة الثانية التي كانت بطلتها جدتي التي أصرّت أن تخيفنا دوما" بالواوي .. فالواوي هو من يسرق الدجاجات الغافلة و الأطفال المشاغبين ليجعلهم مائدة حافلة لعشائه .. و الواوي هو من يخرج من الحائط فجأة أثناء الليل ليقضم قطعة من قدم الطفل الذي لا يغطّي نفسه جيدا" أثناء النوم .. و هو من يتعاون مع الجن ليضفي بعوائه البري جوا" أسطوريا" على الحكايات القديمة فيوغل وحيدا" في البراري البارده ليظهر على حين غرّة بين ألسنة النار التي كنّا نتأملها قبل أن تغفو جدّتي و نغفو معها .
أمّا ثالثة الأثافي و الشعرة التي قصمت ظهر البعير و أدّت في النهاية إلى قطع كل علاقات المودة و ( حسن الجوار ) و المهادنة مع هذا الحرف فقد كانت في المدرسة الابتدائية حين بدأت أتعلّم الكتابة و رسم الحروف , و كان هذا الحرف المشاكس أحد أسوأ تجاربي في هذا الصدد .

ما أن أكمل الدائرة الصغيرة التي تعتليه و أبدأ في رسم ذلك الانحدار الذي يهبط منحنيا" انحناءة منتظمة متناسقة حتى يزعق معلم :
- حسن.. ما هذا ..؟؟
- لماذا تصرخ..؟؟ هذا حرف الواو بجلالة قدره ..
- و أين الدائرة ..؟؟
- هذه هي .. ألا ترها ..؟؟
- لكنها صغيرة جدا" لا تبين .. كبّرها .
أعود إلى مقعدي مغتاظا" من هذه المعلّم العمي التي لا يفرّق بين الواو و الراء , أرسم دائرة عملاقة و أسرع إليه..
- هذا هو الواو .. آنسيته
- أين هو ..؟؟
أحوقل و أستعيذ بالله من العمى و ضعف البصر ..
- هذا .. و أشير بإصبعي ..
-حسن ذا حرف الهاء .. الدائرة كبيرة جدا" .. ثم أنها تكاد تكون مثلثا" .

و بما أني لا أستطيع أن أشتم المعلم– فالعصا ستعلّمني أن هذا الأمر معيب – فقد بدأت بشتم سنسفيل أجداد حرف الواو , ثم أصدرت حكمي النهائي في هذه القضية الشائكة :
- هذا هو حرف الواو الذي أريده .. أعجبك أم لم يعجبك ..
ضربني
بالدفتر على وجهي و أغرقت بالضحك .

و كما ترون فإن هذه البدايات غير المشجعة كان لها أثر كبير في تحديد طبيعة علاقتي بالواو .. و هي ما ستكون محور حديثنا القادم ..

يتبع ..